MOTORACE
{{ مدير المنتدى }}
عدد الرسائل : 152 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 15/08/2007
| موضوع: الاستشهاد فى الواقع الفلسطينى الخميس 23 أغسطس 2007, 12:31 am | |
| الاستشهاد في الواقع الفلسطيني
المؤلف: د. أحمد صدقي الدجاني/ كاتب فلسطيني مقيم في مصر الملخص: الاستشهاد فعل يقع في دائرة الجهاد في سبيل الله، وتعبير "في سبيل الله" يتضمن الذود عن الوطن، والعرض، والمال، والعمل لانتصار القيم العليا التي نزل بها الوحي الإلهي، "لتكون كلمة الله هي العليا"، ويتميز الاستشهاد عن أفعال أخرى تقع في دائرة الجهاد بأن الاستشهادي يكون قد وضع نصب عينيه الشهادة في سبيل الله، فهو طالب الشهادة، وقد عزم على أن يقاتل العدو إلى أن يُقتل فيكون شهيدًا، ووارد أن يلتحم بسلاحه وأدواته التي يستخدمها لضرب العدو فيغدو جزءاً منها، وهذا هو حال الاستشهادي الذي يفجِّر سيارة مفخَّخة، فالسيارة من أدواته والمتفجرات من سلاحه؛ وهو أيضًا حال الاستشهادي الذي يجعل الحزام الناسف نطاقًا له وسلاحًا ويفجِّر نفسه، وهو سليل ذلك الاستشهادي الذي كان ينزل بسلاحه إلى الوغى فيقاتل إلى أن يقتل. استشهاد لا انتحار إن إعلام العدو الصهيوني ومعه إعلام دول الهيمنة الطاغوتية يسمِّي الاستشهادي بالانتحاري، والعملية الاستشهادية بالانتحارية، وقد كان هذا دأبه في الانتفاضة الأولى، وحاشى أن يكون ما يُقدم عليه أبطالنا انتحارًا؛ لأنه إحياء، وما أعظم الفرق بين الانتحار والاستشهاد! فالأول تعبير عن اليأس، والآخر تعبير عن الإيمان، وما يقترن به من أمل، واطمئنان، وتعلق بالحق، والعدل، والسلام. ولافتٌ أن أحدًا من المجتمع المحيط بالاستشهادي لا تخطر على باله شبهة وجود قصد الانتحار عنده. ولافت أن هناك ما يشبه الإجماع بين علماء الأمة على رفض مصطلح "الانتحار" وتأكيد مصطلح "الاستشهاد" مع التدليل على ذلك. وقد رأينا مؤخرًا ما حدث حين لم يأخذ مفتي السعودية في الاعتبار ذلك الإجماع الذي كان متحققًا من قبل في تاريخنا عامة، وأثناء الانتفاضة خاصة، وقال في حوار له مع صحيفة الشرق الأوسط: "لا أعلم لهذه الطريقة وجهًا شرعيًّا ولا أنها من الجهاد في سبيل الله، وأخشى أن تكون من قتل النفس"، فإذا بكثير من علماء الأمة يردُّون بأن هذه العمليات من أعظم الجهاد في سبيل الله (تفصيل هذه الردود نشرتها مجلة فلسطين المسلمة، عدد 5/2001). التحالف الاستعماري يحلِّل الظاهرة متوقع ومفهوم أن تشغل ظاهرة الاستشهاد أوساط التحالف الاستعماري الصهيوني، فتعكف على دراستها بغية التصدي لها. وقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في 20-5-2001م خلاصة تقرير عني بتصنيف الاستشهاديين. ويقول التقرير: إن المنظمات الفلسطينية أرسلت منذ توقيع اتفاق أوسلو 1993م (72) استشهاديًّا ضد أهداف إسرائيلية، منهم 12 منذ انتفاضة الأقصى، ويبين التقرير مواطنهم، والحالة الاجتماعية لكل منهم، وفئة العمر، وما حصّلوه من تعليم. وذكرت الصحيفة أن هناك استشهاديين آخرين ينتظرون. عوامل تكوُّن الظاهرة الاستشهادية العامل الأول: هو عقيدة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وقوى الهيمنة الاستعمارية الغربية. أما العقيدة الصهيونية فهي أساس التربية والتعليم في الكيان الإسرائيلي، وتتجلَّى في المناهج التعليمية والأساليب التربوية التي تزرع قيمًا تشجع العدوان، وتمجِّد السيطرة العسكرية، وتحفل بتحريضات تلمودية على قتل "الأغيار" وإبادتهم. وأما عقيدة قوى الهيمنة الغربية التي أوجدت ظاهرة الاستعمار الغربي في العالم - ومنه الاستعمار الصهيوني - فتتبنَّاها قيادة الولايات المتحدة الأمريكية استمرارًا لتبنِّي بريطانيا لها من قبل. وهي عقيدة تَنْضح بالعنصرية، وتحثُّ على توظيف الصهيونية والصهاينة للإبقاء على الكيان الإسرائيلي الذي أوجدته بريطانيا، وتدعيمه، كي يقوم بتنفيذ إستراتيجيتها الاستعمارية في وطننا العربي ودائرتنا الحضارية الإسلامية. العامل الثاني: هو ما يعانيه الشعب العربي الفلسطيني بفعل هذه الممارسات على مختلف الأصعدة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والنفسية، وتكشف الإحصاءات التي نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن أن أكثر من مليوني فلسطيني في الضفة والقطاع يعيشون تحت خط الفقر، وأن 14.1% من الأسر ليس لها مصدر دخل، وأن 57.9% من الأسر الفلسطينية تواجه صعوبة في الحصول على الخدمات الصحيَّة، ناهيك عن تدهور الوضعية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، وعن إزعاج الفلسطينيين على نقاط التفتيش، وعن الحصار الإسرائيلي للفلسطينيين، وعن إجراءات معقَّدة لأخذ الأذونات والرخص، وهو تعبير مخفَّف عن بشاعة الإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف ابتزاز أموال الناس وإزعاجهم. ولافت أن الإرهاب الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي الذي مارسته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وقطعان المستوطنين، اعتمد من وسائله القيام بمذابح للفلسطينيين بلغت عشرات، ورسخت في ذاكرة الشعب. العامل الثالث: هو ترسيخ الاقتناع في أوساط غالبية شعب فلسطين العربي بأن المقاومة بكل أبعادها هي السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأراضي العربية، وقد كان هذا الاقتناع موجودًا لدى قطاع واسع من الشعب وعبر مراحل النضال الفلسطيني المتتالية، وعبَّر عن نفسه بقوة في مرات كثيرة كان أبرزها الانتفاضة الأولى عام 1987م. ثم جاء زلزال الخليج، وأعقبه مؤتمر مدريد 30-10-1991م الذي فتح الباب أمام محاولات تسوية صممتها الولايات المتحدة الأمريكية، وتعرض الشعب والأمة لحملة إعلام ترويجية قوية جذبت البعض إليها، فمال إلى تصديق وعودها، وجاءت اتفاقية أوسلو في 13-9-1993م مقترنة بتكثيف حملة إعلام الترويج، وترديد وعود الرخاء وعوائد السلام، وانساق البعض إلى الانخراط في عملية التسوية مصدقًا هذه الوعود، وكان هناك بعض آخر لم يصدقها، ولكنه مال إلى إتاحة الفرصة أمام أولئك الذين صدَّقوها، وبقي في الشعب قطاع مقتنع بأن المقاومة هي الطريق الوحيد. ومع مباشرة عملية التسوية وانكشاف السلوك الإسرائيلي فيها، تحوَّل غالبية الشعب إلى الاقتناع من جديد بأن المقاومة هي السبيل الوحيد، وجرى التعبير عن ذلك على صعيد السلطة الفلسطينية نفسها في وقفتها مع الشعب يوم هبَّة الأقصى في 26-9-1996م في مواجهة جنود الاحتلال، وبلغ التحول مداه في ربيع عام 2000م، حين أثمرت المقاومة اللبنانية وفرض لبنان على جيش الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب من جنوبه يوم 23-5-2000م بلا قيد ولا شرط. العامل الرابع: هو جماع ما حصل إبان مفاوضات كامب ديفيد الثانية وفي أعقابها، وتداعياته، وتفاعلات الانتفاضة بعد حدوثها. فقد علم الشعب العربي الفلسطيني إثر فشل تلك المفاوضات بما كان من سلوك مجرم الحرب إيهود باراك أثناءها فيما يتصل برفضه تنفيذ اتفاقات إعادة انتشار جيش الاحتلال في منطقتي "ب" و "ج" وإطلاق سراح الأسرى، وسعيه لفرض السيادة الإسرائيلية على القدس. كما علم الشعب بما كان عليه موقف الإدارة الأمريكية وممارستها أشد الضغوطات على رئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ ليقبل اتفاق إملاء بشأن القدس وقضايا الوضع النهائي بعامة، وبلغ غضب أبناء الشعب مداه حين عرفوا تفاصيل ما جرى، وأجمعوا على تأييد موقف الصمود الفلسطيني الذي تعزَّز بدعم عربي وإسلامي ومسيحي. وهكذا عم الاقتناع بأن الكلمة الآن هي للمقاومة، والتقت الفصائل الفلسطينية دون استثناء على ممارستها، فكان أن تهيَّأ المناخ لمباشرة انتفاضة الأقصى، ولتعزيز منطق الاستشهاد في نطاقها. وقد أحدثت الانتفاضة تفاعلات قوَّت ظاهرة الاستشهاد، فالعدو الإسرائيلي كثَّف ممارساته الإجرامية في محاولة إنهائها، وكانت كل جريمة يقترفها تزيد من عزم المقاومة، وتدفع بمزيد من المجاهدين لاختيار الاستشهاد، ولافت أن دائرة هؤلاء اتسعت لتشمل أفرادًا لم يسبق لهم أن انخرطوا في تنظيمات، كما أن جرائم العدو المتتالية حثَّت على النهوض بما أسميناه المسؤولية الفردية في المقاومة، على معنى أن يقاوم كل فرد بما يستطيعه. تأثير فعل الظاهرة المتعاظم خسائر العدو الاقتصادية تتضمن اليوم انخفاضًا حادًّا في صناعة السياحة يصل إلى 40% من الولايات المتحدة و65% من دول العالم الأخرى، الأمر الذي مثَّل كارثة للمنشآت الفندقية واستثماراتها، وأدَّى بالتالي إلى زيادة كبيرة في نسبة البطالة، وصلت إلى 9%، كما تتضمن ارتفاع تكاليف استنفار الجيش، واستمرار حالة الطوارئ، ولجوء العديد من شركات إعداد برامج الحاسب إلى تصفية أعمالها داخل الكيان الإسرائيلي ونقلها إلى الولايات المتحدة. أما الخسائر السياسية فتتجلَّى في ازدياد رفض العالم للعدوانية الإسرائيلية، وبخاصة بعد انكشاف بشاعة ما تقوم به من احتلال. ولعلَّ أهم فائدة كانت انتشار الإحساس بعدم الأمان والاستقرار في أوساط الإسرائيليين الصهاينة بعامة، وقد كان لظاهرة الاستشهاد تأثير خاص على هذا الصعيد بما حقَّقته العمليات الاستشهادية من إصابات موجعة في قلب الكيان الصهيوني، الأمر الذي يدعو كثيرًا من اليهود الذين هجَّرتهم الحركة الصهيونية من أوطانهم إلى فلسطين إلى مغادرة الكيان الإسرائيلي والعودة إلى أوطانهم، ويدعو في الوقت نفسه كثيرًا من اليهود الذين تحاول الصهيونية تهجيرهم من أوطانهم إلى أن يبقوا حيث هم. وقد ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية في 7-5-2001م أن أعداد المهجرين من دول الاتحاد الروسي انخفضت بحوالي 60%. كما اعترف شاؤول موفاز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بأن أجهزة الأمن الإسرائيلية فقدت القدرة على إحباط عمليات التفجير داخل "إسرائيل"؛ بسبب انعدام التنسيق مع الجانب الفلسطيني، وأن فرض الحصار على الأراضي الفلسطينية لم يَعُد يجدي نفعًا. ويقرِّر بعض الإستراتيجيين أن العمليات الاستشهادية حقَّقت نوعًا من توازن الردع بين جيش الاحتلال والشعب الفلسطيني. ولافت أن العدو يتخبط في حيرة بين تنفيذ استعماره الاقتصادي للفلسطينيين المتمثل بتسخيرهم عمالاً في كيانه، وفرض الحصار عليهم ومنعهم من الدخول إلى كيانه؛ خوفًا من العمليات الاستشهادية، الأمر الذي يمس اقتصاده في الصميم. تأثير الاستشهاد دعا الكثير من قادة العدو إلى اعتبار هذه الفترة أخطر فترة مرَّ بها الكيان الإسرائيلي منذ إقامته، ويشجِّع بعض الإسرائيليين على المجاهرة بضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م. وبضرورة تصفية المستعمرات الاستيطانية الصهيونية وينحي باللائمة على من أقاموها. وعلى مستوى قوى الهيمنة الأمريكية فرضت الانتفاضة على هذه القوى ألا تمضي في تجاهل القضية الفلسطينية، وأن تأخذ في الاعتبار تزايد الاستياء العربي الرسمي والغضب العربي الشعبي؛ بسبب الانحياز الأمريكي الصارخ للعدو الصهيوني، واهتزت واشنطن لحادث المدمِّرة كول في خليج عدن باليمن، وللتهديدات التي وصلت لقواتها المرابطة في المنطقة، فكان أن كرَّرت مرارًا تحذيرها لرعاياها الأمريكيين الموجودين في المنطقة. وكانت القمة العربية في عمَّان 3-2001م قد فتحت بعدد من قراراتها ملف العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية. لقد فعلت انتفاضة الأقصى فعلاً مؤثرًا في أوساط الرأي العام العالمي في مختلف الدوائر الحضارية، وفضحت بجلاء عنصرية العدو الصهيوني وعدوانية الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد أن قام الإعلام التلفزيوني بنقل صورها. وهكذا تنامى التأييد للنضال الفلسطيني في أوساط غالبية شعوب العالم.. وعلى الرغم ما للإعلام الصهيوني من تأثير واسع على الإعلام في دول أوروبا وفي الولايات المتحدة، فإن تحولاً ملموسًا حدث في الرأي العام الأوروبي، وكذلك في الرأي العام الأمريكي له ما بعده على صعيد مواجهة العنصرية. بقي أن نشير بإيجاز شديد إلى تأثير فعل الانتفاضة المتعاظم والعمليات الاستشهادية فيها بخاصة على أبناء الأمة، ويا له من تأثير فيه إحياء، انطلاقًا من حقيقة أن الشهيد الذي هو حي عند ربه مرزوق، فإنه باستشهاده يبعث الحياة في مجتمعه. وكثيرة صور هذا الإحياء والتي رأيناها في تعبيرات وتجليات تؤيد انتفاضة الأقصى. | |
|